انسل إلى غرفته انسلالا وجلس خلف مكتبه وراح ينظر إلى صورتها التي رسمها لها في خياله بكل دقة فهاجمه التفكير واخذ منه ما اخذ , وبدأ يقلب صفحات الماضي , ويستجدي بذاكرته ان تقرأ له سطور الأيام القليلة التي مضت , يلفظ الصعداء ويجهل كل ما حوله , ليعيش الماضي مع ذكرياته ولو بضعا من الوقت , فيبدأ بابتسامة صغيرة تدور في رأسه دون ان تظهر أثارها علي شفتيه الضامرتين , لقد أحبها حبا جارفا وكان لا يرى السعادة إلا بجوارها , ولا يسعد بلذة العيش إلا معها , فكانت الدقائق المعدودة التي يجلسها أمامها تبعث به أملا و رجاءً بلا انقطاع فابتسامتها كانت زاده , حبها بإيمان وعشقها عن جدارة , حب عذري ناصع.............. فحدث نفسه يوما أن يتبين منزلته في قلبها , فحمل كلماته الصغيرة في أقصوصة وتقدم إليها ووضعها في يدها وعاد بسرعة البرق يحدث نفسه أنها ستسعد بها , كلا أنها لا ... لا إنها لن ترد علي , وهكذا تتلاطم الكلمات كموج البحر, فيهدأ وتهدأ الكلمات , فتثور وتزمجر من جديد , تتخبط .
قاوم كل وساوسه , وجلس ينتظر منها الكلمة , فكانت الكلمة التي كان يخشى ان تضنها عليه كالأرض الظمأى التي تحتاج الماء , كالزهرة الذابلة التي تنتظر شعاع من الشمس , يعيد إليها أملها في العيش وبعد يومين سمع صوتها في الخارج ليمزق كل الحواجز ويستقر في صميم فؤاده , فأحس أن الأمل قد انبثق وان الربيع , عاد للحياة من جديد , ولم يلبث إلا قليلا حتى تقدمت باتجاهه بخطى ثابتة واثقة , فنهض ونظر إليها نظرة العليل إلى الدواء نظرة الغريق إلى الدواء فاخترقت جدران الصمت قائلة , آسفة ........ فأنت جئت متأخرا كثيرا كثيرا ، ومدت يدها تجاهه بالأقصوصة الصغيرة التي كان قد أعطاها لها ، ثم أدارت ظهرها واتجهت نحو الباب , فكأنما صوبت سهما أصاب كبده فتجمد في مكانه لا يتحرك .